عثمان الخويطر
استولت السلطات الأسرائيلية على الحرم الأبراهيمي وضمتهما إلى قائمة الآثار اليهودية، دون أي اعتبار للمواثيق الدولية ولشعور المواطن الفلسطيني وعامة الأمة الإسلامية. بل إن هذا التصرف الأهوج لا يعدو كونه استفزازاً للمشاعر، كما وصفه المتحدث باسم الحكومة الأمريكية، الذي لم يشأ أن يُضيف في بيانه أنه أيضا انتهاك لمعاهدة جنيف التي تنص على عدم السماح للسلطة المُحتلة بأن تُغير أو تستولي على آثار البلد الذي يقع تحت الاحتلال. وهل للإسرائيليين ذمة أو ضمير حتى نتوقع منهم الرجوع إلى الصواب؟ وفي القدس الشريف تارة تستولي بغير حق على بيوت أهل الأرض وتُسكن محلهم قطعان المستوطنين، وتارة أخرى تبني على الأراضي التي تخص عرب القدس مستوطنات جديدة من أجل تضييق الخناق على منْ تبقى من السكان الأصليين من الشعب الفلسطيني. كل هذا وأشياء أخرى تحدث في أماكن كثيرة من الأراضي الفلسطينية المحتلة من سلب لمساحات واسعة منها وتدمير للمزارع وحصار مميت، القصد منه إذلال المواطن الفلسطيني وكسر شوكته. ولا من حراك لا من جانب السلطة الفلسطينية التي لا تُمثل الآن إلا أصحاب المناصب العليا فيها، ولا من الفصائل والمنظمات التائهة الأخرى التي ينعم أعضاؤها التنفيذيون بمزايا أصحاب النفوذ. أما الدول العربية والأمة الإسلامية فتغط في سبات عميق، وكل يقول بينه وبين نفسه: اللهم السلامة! وإذا لنا أن نستثني طرفاً واحداً يقف وحده أمام العجرفة الصهيونية، فتلك هي الدولة التركية، ممثلة في رئيسها الشجاع رجب أردوغان، ويحق لنا أن نصرخ طلباً للنجدة ونقول : وا أردوغاناه!!، على غرار وا معتصماه!
لقد رفع هذا الرجل وحده رأس الأمة الإسلامية، بإصراره على مواجهة الطغيان الإسرائيلي. وإذا أحسَّ أردوغان منهم بوادر إذلال لبلده أو شعبه، كما هي عادتهم مع منْ يقف في وجه طغيانهم، كال لهم الصاع صاعين وأوقفهم عند حدهم، وهو ما لم يفعله أحد . ولكن ذلك لم يمرُّ على تركيا دون ثمن، فقد تسلطت القوى الصهيونية عليها بجميع السبل، التي آخرها كان تصويت لجنة العلاقات الخارجية في الكونجرس الأمريكي الأسبوع الفائت باعتبار ما حدث بين تركيا والأرمن منذ ما يُقارب 100 عام هو إبادة جماعية للأرمن من قِبل تركيا، وهي مُحاولة من قِبل الصهيونية العالمية لإحياء النزاع بين الشعبين. والظاهر أن الأمريكان، الذين تُسيِّر سياساتهم الخارجية قُوى الضغط اليهودية، نسوا أو تناسوا إبادتهم بهمجية مُقرفة لأصحاب الأرض الأصليين في أمريكا الشمالية، أو ما يُسمونهم الهنود الحُمُر.
ونحن يجب ألا ننسى المقاومة المباركة التي يقوم بها إخوان لنا في مدينة القدس، ووقوفهم في وجه العدوان العنصري بكل رجولة وشجاعة، مُتحدين جبروته وسوء معاملة جنوده لهم وغطرسة المستوطنين، وإصرار تلك الفئة القليلة العدد والكثيرة بقوة إيمانها على حماية المقدسات الإسلامية رغم قلة حيلتهم وغياب السلطة الفلسطينية الرسمية. فحيوا معنا أولئك المرابطين الأبطال وادعوا لهم بالثبات وعظم الأجر - إن شاء الله.
وكنا قد تباشرنا خيراً بوعود باراك حسين أوباما عندما كان يُطلق تصريحاته المتكررة ووعوده المتفائلة بحل القضية الفلسطينية حال فوزه برئاسة الولايات المتحدة، وكان له ما أراد. وزاد التفاؤل عندما اختار أوباما ميتشل، العربي الأصل والخبير المتمرس في شؤون الشرق الأوسط، ليكون ممثلاً للحكومة الأمريكية ووسيطاً بين العرب وإسرائيل. وتبين فيما بعد أن إنجازه خلال عدة رحلات مكوكية، لا يُساوي قيمة محروقات الطائرة التي كانت تنقله. فسرعان ما تبخرت الآمال وانكشف المستور وتحول ميتشل إلى أداة نقل للتنازلات من واشنطن إلى تل أبيب. وبقدرة قادر، تحول اهتمام باراك 180 درجة، ليوجه ضغطه وطاقته بواسطة ميتشل نحو إقناع الدول العربية بالضغط على الشعب الفلسطيني من أجل قبول أي مُقترح إسرائيلي مهما كان سلبياًّ، وإسرائيل ليس لديها إلا سلبيات، وذلك من باب غسل ماء الوجه حتى لا يُقال إن أوباما فشل في المهمة التي نذر نفسه لحلها. ولم يكتف الرئيس أوباما بهذا القدر من الانحياز إلى صف الدولة العبرية، بل أوكل إلى ممثله محاولة إقناع بعض الدول العربية بتطبيع العلاقات مع عدوهم الصهيوني مقابل لا شيء! هل فهمتم اللعبة؟ نحن لا نريد أن نستبق الأحداث، ولكن رحلات بنيامين نتنياهو إلى واشنطن واجتماعه المتكرر مع العصابات اليهودية هناك، لا بُد من أنه لعب دوراً مُتميزاً أدى إلى سحب البساط من تحت حكومة أوباما ومعه مُقترحاته التي طالما تغنى بها. وتفاجأنا أخيرا بتدخل وزراء الخارجية العرب ليفجروا قنبلة الموسم، ويُحثوا السلطة الفلسطينية، التي هي نفسها لا تملك سلطة، لبدء مفاوضات سموها غير مباشرة مع العدو الإسرائيلي، وإعطاء الطرفين مهلة أربعة أشهر لإنجاز تقدم ما نحو حل هذه القضية الشائكة. ومن أجل أن تكمل الصورة المُلمَّعة، رحب نتنياهو بهذه الخطوة المباركة. وفي الوقت نفسه أعلن عن إنشاء مستوطنات جديدة، احتفاء بهذه المناسبة، حتى لا يتوهم أصحاب الحق أنه سيتنازل لهم عن أي شيء. يا أهل العقول النيرة والخبرات الدبلوماسية الطويلة، ألم تفهموا بعد العقلية الصهيونية وتُدركوا نوايا نتنياهو وليبرمان ومن يقف وراءهم؟ أي مفاوضات، مباشرة أو غير مباشرة، تحت الظروف الدولية الحالية التي من خلالها تُسيطر الحركة الصهيونية على كل ما له علاقة بإسرائيل ستكون ذات فائدة، وعلى وجه الخصوص، عند ما يظل الشعب الفلسطيني دون قيادة راشدة؟ بل نقول كما قال الرئيس مبارك في مناسبة مختلفة، ''مُت يا حمار حتى يجيك العليق''.
وكم كان الشعب الفلسطيني المقهور يتطلع إلى تأييد ولو معنوي من الدول الأوروبية، بحكم أن الاتحاد الأوروبي قد توسع وزاد نفوذه على الساحة الدولية وبدت تظهر ملامح استقلال نسبيٍّ عن السياسة الأمريكية. ولكن الاتحاد ظل صامتاً، إلا من همس غير مسموع، حول التصرفات الإسرائيلية غير الإنسانية في قطاع غزة والقدس وداخل إسرائيل. ولعل حادثة دبي التي استخدم فيها عملاء ''الموساد''، وبكل وقاحة، جوازات سفر ووثائق من عدة دول أوروبية وأستراليا دون استئذان منهم لتنفيذ عملية اغتيال بشعة فوق أرض أجنبية، لعلها كانت دليلاً على أن الدول الأوروبية بعظمتها لا تستطيع مقاومة السطوة الصهيونية حتى عند ما تنتهك الأخيرة سلامة وأمن مواطني الاتحاد الأوروبي والمواطن الأسترالي، كما فعل أردوغان عندما كان الأمر يهم تركيا، فلقن إسرائيل درساً لن تنساه. نحن نأمل أن تعود تركيا الحديثة لسابق عهدها، رافعة راية الإسلام ودانية من العرب والمسلمين كافة لتكون قوة إقليمية فاعلة. فأولى لتركيا أن تكون رأساً في المشرق الإسلامي على أن تكون ذيلاً في القارة الأوروبية. وفي الواقع أن قوة ارتباطها مع العرب والمسلمين سياسيا واقتصاديا وثقافيا سيمنحها مكانة مُتميزة عند الدول الأوروبية وبقية الدول الكبرى. وهي لديها جميع مُقومات النجاح والزعامة إذا استمر وضعها الحالي ودام استقرار نظامها السياسي. فالكل الآن يخطب ودها ويحاول التقرب منها لما لها من دور فاعل وثقل في العلاقات الدولية، إلى جانب الانتعاش المتميز لاقتصادها.
جريدة الأقتصادية
استولت السلطات الأسرائيلية على الحرم الأبراهيمي وضمتهما إلى قائمة الآثار اليهودية، دون أي اعتبار للمواثيق الدولية ولشعور المواطن الفلسطيني وعامة الأمة الإسلامية. بل إن هذا التصرف الأهوج لا يعدو كونه استفزازاً للمشاعر، كما وصفه المتحدث باسم الحكومة الأمريكية، الذي لم يشأ أن يُضيف في بيانه أنه أيضا انتهاك لمعاهدة جنيف التي تنص على عدم السماح للسلطة المُحتلة بأن تُغير أو تستولي على آثار البلد الذي يقع تحت الاحتلال. وهل للإسرائيليين ذمة أو ضمير حتى نتوقع منهم الرجوع إلى الصواب؟ وفي القدس الشريف تارة تستولي بغير حق على بيوت أهل الأرض وتُسكن محلهم قطعان المستوطنين، وتارة أخرى تبني على الأراضي التي تخص عرب القدس مستوطنات جديدة من أجل تضييق الخناق على منْ تبقى من السكان الأصليين من الشعب الفلسطيني. كل هذا وأشياء أخرى تحدث في أماكن كثيرة من الأراضي الفلسطينية المحتلة من سلب لمساحات واسعة منها وتدمير للمزارع وحصار مميت، القصد منه إذلال المواطن الفلسطيني وكسر شوكته. ولا من حراك لا من جانب السلطة الفلسطينية التي لا تُمثل الآن إلا أصحاب المناصب العليا فيها، ولا من الفصائل والمنظمات التائهة الأخرى التي ينعم أعضاؤها التنفيذيون بمزايا أصحاب النفوذ. أما الدول العربية والأمة الإسلامية فتغط في سبات عميق، وكل يقول بينه وبين نفسه: اللهم السلامة! وإذا لنا أن نستثني طرفاً واحداً يقف وحده أمام العجرفة الصهيونية، فتلك هي الدولة التركية، ممثلة في رئيسها الشجاع رجب أردوغان، ويحق لنا أن نصرخ طلباً للنجدة ونقول : وا أردوغاناه!!، على غرار وا معتصماه!
لقد رفع هذا الرجل وحده رأس الأمة الإسلامية، بإصراره على مواجهة الطغيان الإسرائيلي. وإذا أحسَّ أردوغان منهم بوادر إذلال لبلده أو شعبه، كما هي عادتهم مع منْ يقف في وجه طغيانهم، كال لهم الصاع صاعين وأوقفهم عند حدهم، وهو ما لم يفعله أحد . ولكن ذلك لم يمرُّ على تركيا دون ثمن، فقد تسلطت القوى الصهيونية عليها بجميع السبل، التي آخرها كان تصويت لجنة العلاقات الخارجية في الكونجرس الأمريكي الأسبوع الفائت باعتبار ما حدث بين تركيا والأرمن منذ ما يُقارب 100 عام هو إبادة جماعية للأرمن من قِبل تركيا، وهي مُحاولة من قِبل الصهيونية العالمية لإحياء النزاع بين الشعبين. والظاهر أن الأمريكان، الذين تُسيِّر سياساتهم الخارجية قُوى الضغط اليهودية، نسوا أو تناسوا إبادتهم بهمجية مُقرفة لأصحاب الأرض الأصليين في أمريكا الشمالية، أو ما يُسمونهم الهنود الحُمُر.
ونحن يجب ألا ننسى المقاومة المباركة التي يقوم بها إخوان لنا في مدينة القدس، ووقوفهم في وجه العدوان العنصري بكل رجولة وشجاعة، مُتحدين جبروته وسوء معاملة جنوده لهم وغطرسة المستوطنين، وإصرار تلك الفئة القليلة العدد والكثيرة بقوة إيمانها على حماية المقدسات الإسلامية رغم قلة حيلتهم وغياب السلطة الفلسطينية الرسمية. فحيوا معنا أولئك المرابطين الأبطال وادعوا لهم بالثبات وعظم الأجر - إن شاء الله.
وكنا قد تباشرنا خيراً بوعود باراك حسين أوباما عندما كان يُطلق تصريحاته المتكررة ووعوده المتفائلة بحل القضية الفلسطينية حال فوزه برئاسة الولايات المتحدة، وكان له ما أراد. وزاد التفاؤل عندما اختار أوباما ميتشل، العربي الأصل والخبير المتمرس في شؤون الشرق الأوسط، ليكون ممثلاً للحكومة الأمريكية ووسيطاً بين العرب وإسرائيل. وتبين فيما بعد أن إنجازه خلال عدة رحلات مكوكية، لا يُساوي قيمة محروقات الطائرة التي كانت تنقله. فسرعان ما تبخرت الآمال وانكشف المستور وتحول ميتشل إلى أداة نقل للتنازلات من واشنطن إلى تل أبيب. وبقدرة قادر، تحول اهتمام باراك 180 درجة، ليوجه ضغطه وطاقته بواسطة ميتشل نحو إقناع الدول العربية بالضغط على الشعب الفلسطيني من أجل قبول أي مُقترح إسرائيلي مهما كان سلبياًّ، وإسرائيل ليس لديها إلا سلبيات، وذلك من باب غسل ماء الوجه حتى لا يُقال إن أوباما فشل في المهمة التي نذر نفسه لحلها. ولم يكتف الرئيس أوباما بهذا القدر من الانحياز إلى صف الدولة العبرية، بل أوكل إلى ممثله محاولة إقناع بعض الدول العربية بتطبيع العلاقات مع عدوهم الصهيوني مقابل لا شيء! هل فهمتم اللعبة؟ نحن لا نريد أن نستبق الأحداث، ولكن رحلات بنيامين نتنياهو إلى واشنطن واجتماعه المتكرر مع العصابات اليهودية هناك، لا بُد من أنه لعب دوراً مُتميزاً أدى إلى سحب البساط من تحت حكومة أوباما ومعه مُقترحاته التي طالما تغنى بها. وتفاجأنا أخيرا بتدخل وزراء الخارجية العرب ليفجروا قنبلة الموسم، ويُحثوا السلطة الفلسطينية، التي هي نفسها لا تملك سلطة، لبدء مفاوضات سموها غير مباشرة مع العدو الإسرائيلي، وإعطاء الطرفين مهلة أربعة أشهر لإنجاز تقدم ما نحو حل هذه القضية الشائكة. ومن أجل أن تكمل الصورة المُلمَّعة، رحب نتنياهو بهذه الخطوة المباركة. وفي الوقت نفسه أعلن عن إنشاء مستوطنات جديدة، احتفاء بهذه المناسبة، حتى لا يتوهم أصحاب الحق أنه سيتنازل لهم عن أي شيء. يا أهل العقول النيرة والخبرات الدبلوماسية الطويلة، ألم تفهموا بعد العقلية الصهيونية وتُدركوا نوايا نتنياهو وليبرمان ومن يقف وراءهم؟ أي مفاوضات، مباشرة أو غير مباشرة، تحت الظروف الدولية الحالية التي من خلالها تُسيطر الحركة الصهيونية على كل ما له علاقة بإسرائيل ستكون ذات فائدة، وعلى وجه الخصوص، عند ما يظل الشعب الفلسطيني دون قيادة راشدة؟ بل نقول كما قال الرئيس مبارك في مناسبة مختلفة، ''مُت يا حمار حتى يجيك العليق''.
وكم كان الشعب الفلسطيني المقهور يتطلع إلى تأييد ولو معنوي من الدول الأوروبية، بحكم أن الاتحاد الأوروبي قد توسع وزاد نفوذه على الساحة الدولية وبدت تظهر ملامح استقلال نسبيٍّ عن السياسة الأمريكية. ولكن الاتحاد ظل صامتاً، إلا من همس غير مسموع، حول التصرفات الإسرائيلية غير الإنسانية في قطاع غزة والقدس وداخل إسرائيل. ولعل حادثة دبي التي استخدم فيها عملاء ''الموساد''، وبكل وقاحة، جوازات سفر ووثائق من عدة دول أوروبية وأستراليا دون استئذان منهم لتنفيذ عملية اغتيال بشعة فوق أرض أجنبية، لعلها كانت دليلاً على أن الدول الأوروبية بعظمتها لا تستطيع مقاومة السطوة الصهيونية حتى عند ما تنتهك الأخيرة سلامة وأمن مواطني الاتحاد الأوروبي والمواطن الأسترالي، كما فعل أردوغان عندما كان الأمر يهم تركيا، فلقن إسرائيل درساً لن تنساه. نحن نأمل أن تعود تركيا الحديثة لسابق عهدها، رافعة راية الإسلام ودانية من العرب والمسلمين كافة لتكون قوة إقليمية فاعلة. فأولى لتركيا أن تكون رأساً في المشرق الإسلامي على أن تكون ذيلاً في القارة الأوروبية. وفي الواقع أن قوة ارتباطها مع العرب والمسلمين سياسيا واقتصاديا وثقافيا سيمنحها مكانة مُتميزة عند الدول الأوروبية وبقية الدول الكبرى. وهي لديها جميع مُقومات النجاح والزعامة إذا استمر وضعها الحالي ودام استقرار نظامها السياسي. فالكل الآن يخطب ودها ويحاول التقرب منها لما لها من دور فاعل وثقل في العلاقات الدولية، إلى جانب الانتعاش المتميز لاقتصادها.
جريدة الأقتصادية