أخيراً: السعودية تحتفي بساعة الأرض!
قبل سنة بالضبط كتبتُ هنا عن ساعة الأرض 2009، ولفتُ الانتباه إلى أن قائمة المدن المحتفية بالمناسبة العالمية لا تضم ولا واحدة سعودية. هذه السنة تأتينا الأخبار بأن معالم رئيسية بالرياض وجدة والدمام ستطفئ أنوارها يوم السبت القادم من باب التعاطف مع كوكبنا المرهق باستنزاف موارده وتآكل غلافه الجوي. وهذه في حد ذاتها خبرية سعيدة ومفيدة، لأن إقبال الناس على التوقف عن صرف الطاقة الكهربية لمدة ساعة، و"اختيار" البقاء في الظلام لمدة 60 دقيقة والتأمل أثناءها في الحالة البيئية هو شيء باعث على الإعجاب.. لولا تفصيلة صغيرة.. فالنص الخبري يقول إن ساعة الأرض ستشهد "قطع الكهرباء" عن المعالم الرئيسية.. وفرق ما بين القطع والإطفاء الاختياري. السؤال الذي يطرح نفسه هنا: إلى أي درجة نحن "مشاركون" في الفعالية؟ وما قدر التوعية والدعاية الذي تحظى به ساعة الأرض عند رجل الشارع السعودي؟ ألا يحق لأحدنا أن يتساءل: ما علاقة التوقف عن هدر الكهرباء لستين دقيقة بمشاكل البيئة والكوكب؟
لعله من المدهش أن هذه الفعالية البيئية بالذات تنالها حملة شعواء مضادة ورافضة لها. في أمريكا، وفي اليابان هناك تيار معاند لساعة الأرض يدعو لاستقبالها عبر “مضاعفة” استهلاك الطاقة الكهربائية على نحو وتشغيل كل جهاز كهربائي في البيت والعمل! المطلوب وفق هذه الحركة المناوئة أن يضيء أحدنا كل أنوار منزله ويشغّل كل جهاز كهربائي يمتلكه بما في ذلك غلايات المياه ومجففات الشعر وكل أجهزة الترفيه في المنزل.. بدون أن ينوي تجفيف شعره ولا شرب الشاي! هناك من يدعونا لأن نضاعف من هدرنا الكهربائي خلال ساعة الأرض بالذات نكاية في أولئك الذين يروّجون لها ولكي يثبت موقفاً سياسياً وبيئياً.. هكذا يقولون.
لكي نفهم السر وراء هذا التباين في المواقف لابد لنا أن ندرك كيف غدت “البيئة” محض قضية نزاع سياسي. فالإعلام يمطرنا يومياً بأخبار (الاحتباس الحراري) وزيادة نسبة الكربون في الجو. نحن مقتنعون بأن مناخ الأرض يتغير. الجمهور “متأكد” بأن حرارة الكوكب تزداد كل عام بدون أن يفهم بالضرورة كيف ترتبط هذه “الحقيقة” مع مواسم الشتاء التي تزداد برودة! والصورة الغائبة عن معظم الناس هي أنه لا يوجد رأي علمي قطعي بخصوص التغير المناخي الذي تشهده الأرض. هناك دراسات علمية تؤكد مسؤولية الإنسان، عبر نفث الكربون الصناعي، في تغيير مناخ الأرض. وهناك دراسات علمية أخرى تؤكد أنه لا يمكن الربط بين النشاط البشري وبين التقلبات المناخية التي تأخذ دورة تمتد عبر آلاف السنين وتتأثر بعوامل فلكية أكبر من أن يُقلق توازنها البشر بقيمتهم الضئيلة في المعيار الكوني. وبين الفريقين تتوزع مصالح سياسية وتجارية تقدر بمليارات الدولارات. حتى الداعون للرفق بالبيئة والأرض غير مبرؤون من هذه التهم. فأحزاب (الخضر) مثلاً باتت لها مصالح أكيدة في الحكم. والباحثون عن موارد مستقبلية بديلة للنفط “الشرير” هم مستثمرون في أسواق الغد الواعدة بالمليارات من الدولارات.
هناك من يرى أن (قضية البيئة) هذه بأسرها ما هي إلا مجرد صرعة أو علامة تجارية أخرى صارت تستغلها الشركات فقط كي “تضحك على ذقن” المستهلك وتدفعه لاختيار منتجها هي دون منافسها. في سياق ساعة الأرض تحديداً نذكر أن شركات من قبيل (مكدونالدز) و(كوكا كولا) تعهدت بالمشاركة في هذه الفعالية. ما فائدة الترشيد الكهربائي إذا كانت هذه الكيانات تضخ الكولسترول والسكر الضار في دمائنا؟ وإذا كان الكربون في الجو –كما يزعم البيئيون- هو المسؤول عن الاحتباس الحراري وتغير المناخ، فكيف سيقل هذا التأثير إذا توقف أحدنا عن مشاهدة التلفاز أو تسخين الفشار في (المايكروويف) خلال ساعة الأرض؟ هكذا يتساءل المتسائلون.
في إطار النزاع البيئي يصر البعض على أن حفلة (ساعة الأرض) هذه ما هي إلا حملة تخدير جماعي يمارسه “البعض” على الشعوب. إنه مجرد “وهم” سنعيشه لمدة ساعة قبل أن ننقض مجدداً على أجهزتنا الكهربائية ونوغل في حرق الطاقة ممتلئين بالرضا الكاذب عن النفس والشعور الزائف بالتضحية الذي خلقته ساعة واحدة من الحرمان. المنافحون عن القضية يؤكدون أن المسألة أخلاقية في المقام الأول وعائدة لضمير كل واحد منا. تلك الساعة يفترض بها أن تدربنا وتوقظ الوازع البيئي فينا لما بعدها بكثير.
أين الحقيقة بين وجهات النظر هذه؟ وما القرار الذي يجدر أن يتخذه كل منا حين تحين الساعة الخضراء يوم السبت ٢٧ مارس؟ هذه مسألة متروكة لكل سائل على حدة. اقرؤوا وابحثوا واسألوا المختصين. لا يكونن أحدكم جزءاً من "الموضة" العالمية.. ولا جزءاً من المسرحية إلا باختياره هو وعن قناعة تامة
أشرف فقيه
قبل سنة بالضبط كتبتُ هنا عن ساعة الأرض 2009، ولفتُ الانتباه إلى أن قائمة المدن المحتفية بالمناسبة العالمية لا تضم ولا واحدة سعودية. هذه السنة تأتينا الأخبار بأن معالم رئيسية بالرياض وجدة والدمام ستطفئ أنوارها يوم السبت القادم من باب التعاطف مع كوكبنا المرهق باستنزاف موارده وتآكل غلافه الجوي. وهذه في حد ذاتها خبرية سعيدة ومفيدة، لأن إقبال الناس على التوقف عن صرف الطاقة الكهربية لمدة ساعة، و"اختيار" البقاء في الظلام لمدة 60 دقيقة والتأمل أثناءها في الحالة البيئية هو شيء باعث على الإعجاب.. لولا تفصيلة صغيرة.. فالنص الخبري يقول إن ساعة الأرض ستشهد "قطع الكهرباء" عن المعالم الرئيسية.. وفرق ما بين القطع والإطفاء الاختياري. السؤال الذي يطرح نفسه هنا: إلى أي درجة نحن "مشاركون" في الفعالية؟ وما قدر التوعية والدعاية الذي تحظى به ساعة الأرض عند رجل الشارع السعودي؟ ألا يحق لأحدنا أن يتساءل: ما علاقة التوقف عن هدر الكهرباء لستين دقيقة بمشاكل البيئة والكوكب؟
لعله من المدهش أن هذه الفعالية البيئية بالذات تنالها حملة شعواء مضادة ورافضة لها. في أمريكا، وفي اليابان هناك تيار معاند لساعة الأرض يدعو لاستقبالها عبر “مضاعفة” استهلاك الطاقة الكهربائية على نحو وتشغيل كل جهاز كهربائي في البيت والعمل! المطلوب وفق هذه الحركة المناوئة أن يضيء أحدنا كل أنوار منزله ويشغّل كل جهاز كهربائي يمتلكه بما في ذلك غلايات المياه ومجففات الشعر وكل أجهزة الترفيه في المنزل.. بدون أن ينوي تجفيف شعره ولا شرب الشاي! هناك من يدعونا لأن نضاعف من هدرنا الكهربائي خلال ساعة الأرض بالذات نكاية في أولئك الذين يروّجون لها ولكي يثبت موقفاً سياسياً وبيئياً.. هكذا يقولون.
لكي نفهم السر وراء هذا التباين في المواقف لابد لنا أن ندرك كيف غدت “البيئة” محض قضية نزاع سياسي. فالإعلام يمطرنا يومياً بأخبار (الاحتباس الحراري) وزيادة نسبة الكربون في الجو. نحن مقتنعون بأن مناخ الأرض يتغير. الجمهور “متأكد” بأن حرارة الكوكب تزداد كل عام بدون أن يفهم بالضرورة كيف ترتبط هذه “الحقيقة” مع مواسم الشتاء التي تزداد برودة! والصورة الغائبة عن معظم الناس هي أنه لا يوجد رأي علمي قطعي بخصوص التغير المناخي الذي تشهده الأرض. هناك دراسات علمية تؤكد مسؤولية الإنسان، عبر نفث الكربون الصناعي، في تغيير مناخ الأرض. وهناك دراسات علمية أخرى تؤكد أنه لا يمكن الربط بين النشاط البشري وبين التقلبات المناخية التي تأخذ دورة تمتد عبر آلاف السنين وتتأثر بعوامل فلكية أكبر من أن يُقلق توازنها البشر بقيمتهم الضئيلة في المعيار الكوني. وبين الفريقين تتوزع مصالح سياسية وتجارية تقدر بمليارات الدولارات. حتى الداعون للرفق بالبيئة والأرض غير مبرؤون من هذه التهم. فأحزاب (الخضر) مثلاً باتت لها مصالح أكيدة في الحكم. والباحثون عن موارد مستقبلية بديلة للنفط “الشرير” هم مستثمرون في أسواق الغد الواعدة بالمليارات من الدولارات.
هناك من يرى أن (قضية البيئة) هذه بأسرها ما هي إلا مجرد صرعة أو علامة تجارية أخرى صارت تستغلها الشركات فقط كي “تضحك على ذقن” المستهلك وتدفعه لاختيار منتجها هي دون منافسها. في سياق ساعة الأرض تحديداً نذكر أن شركات من قبيل (مكدونالدز) و(كوكا كولا) تعهدت بالمشاركة في هذه الفعالية. ما فائدة الترشيد الكهربائي إذا كانت هذه الكيانات تضخ الكولسترول والسكر الضار في دمائنا؟ وإذا كان الكربون في الجو –كما يزعم البيئيون- هو المسؤول عن الاحتباس الحراري وتغير المناخ، فكيف سيقل هذا التأثير إذا توقف أحدنا عن مشاهدة التلفاز أو تسخين الفشار في (المايكروويف) خلال ساعة الأرض؟ هكذا يتساءل المتسائلون.
في إطار النزاع البيئي يصر البعض على أن حفلة (ساعة الأرض) هذه ما هي إلا حملة تخدير جماعي يمارسه “البعض” على الشعوب. إنه مجرد “وهم” سنعيشه لمدة ساعة قبل أن ننقض مجدداً على أجهزتنا الكهربائية ونوغل في حرق الطاقة ممتلئين بالرضا الكاذب عن النفس والشعور الزائف بالتضحية الذي خلقته ساعة واحدة من الحرمان. المنافحون عن القضية يؤكدون أن المسألة أخلاقية في المقام الأول وعائدة لضمير كل واحد منا. تلك الساعة يفترض بها أن تدربنا وتوقظ الوازع البيئي فينا لما بعدها بكثير.
أين الحقيقة بين وجهات النظر هذه؟ وما القرار الذي يجدر أن يتخذه كل منا حين تحين الساعة الخضراء يوم السبت ٢٧ مارس؟ هذه مسألة متروكة لكل سائل على حدة. اقرؤوا وابحثوا واسألوا المختصين. لا يكونن أحدكم جزءاً من "الموضة" العالمية.. ولا جزءاً من المسرحية إلا باختياره هو وعن قناعة تامة
أشرف فقيه