الحرب الاقتصادية القادمة بين أمريكا والصين
تلوح في الأفق بوادر حرب اقتصادية بين الولايات المتحدة والصين، بسبب معارضة أمريكا لما تعتبره سياسة مقصودة من قبل الصين لإبقاء سعر صرف عملتها منخفض القيمة لكي تحافظ على تنافسيتها التصديرية، ويرى الأمريكيون أن سياسة الصين قد خفضت من قيمة اليوان بنسبة 20% إلى 40% من قيمته الحقيقية.
وتسعى الدول المصدرة إلى جعل عملتها "ضعيفة" بمعنى منخفضة القيمة أمام العملات الأخرى، وذلك خلافاً للفهم الشائع لدى غير المتخصصين بأن العملة "القوية" هي مطلب كل دولة. ذلك أنها كلما كانت العملة رخيصة فإن صادراتها تصبح أكثر جاذبية للمستهلكين في الدول الأخرى، وينطبق ذلك على السلع كما ينطبق على الخدمات، فالدولة التي تحظى بعملة رخيصة تستطيع تسويق خدماتها على نحو أسهل، مثل الخدمات السياحية والشحن والتأمين وغيرها.
ولذلك فإن الولايات المتحدة تجد تهديداً كبيراً لمصالحها من استمرار سعر اليوان منخفضاً مقارنة بالدولار، وتسعى بكل إمكاناتها إلى حمل الصين على رفع قيمة اليوان.
وقد زادت حدة الجدل حول الموضوع رسالة بعث بها الأسبوع الماضي 130 من أعضاء الكونجرس الأمريكي إلى وزير الخزانة Timothy Geithner ووزير التجارة Gary Locke، تطالب بإنزال عقوبات على الجانب الصيني يمكن أن تشمل فرض رسوم وقيود جمركية جديدة على واردات أمريكا من السلع الصينية. وفي الوقت نفسه، قرر مجلس النواب البدء في التحقيق في الموضوع، مستهلاً ذلك بجلسة عامة لإحدى أهم لجانه يوم الأربعاء 24 مارس، وبدأ مجلس الشيوخ جهداً مماثلاً من جانبه في اللجنة المالية والمصرفية.
وانتقلت العدوى إلى المستوى غير الرسمي، حيث ظهرت مطالبات في الصحافة بفرض عقوبات على الصين قد تصل إلى 25% من قيمة السلع المستوردة منها للتقليل من جاذبيتها. وعلى الرغم من مخالفة مثل هذه العقوبات لتوجهات مجموعة العشرين وغيرها من المؤسسات الاقتصادية الدولية، إلا أنه في ظل المناخ السائد في واشنطن ربما أصبح من الصعب التمسك بحرية التجارة، خاصة أن الاقتصاد الأمريكي ما زال في مرحلة كساد ولم يخرج من الأزمة الاقتصادية التي بدأت في عام 2008، وهناك ضغوط من قبل النقابات العمالية والسياسيين لمعاقبة الصين، وهو أمر يكتسب أهمية خاصة خلال الحملات الانتخابية، فمن المقرر أن تشهد سنة 2010 معركة فاصلة في انتخابات الكونجرس، قد تُنهي سيطرة الديموقراطيين على مجلس الشيوخ أو النواب أو كليهما.
وقد تبنت الولايات المتحدة منذ عام 2004 على الأقل سياسة غير رسمية تبقي على سعر صرف الدولار منخفضاً أمام العملات الأخرى، بهدف تشجيع الصادرات، وتبعتها الصين متبنية سياسة مشابهة، وعلى الرغم من رفع قيمة اليوان بنسبة ضئيلة أمام العملات الأخرى، فإن السياسة الصينية ما زالت تحبذ الإبقاء على سعر صرف منخفض لليوان.
وقد تضرر الأوروبيون من سياسة الدولار الرخيص واليوان الرخيص، إذ أدت هذه السياسة إلى جعل الصادرات الأوروبية أقل جاذبية، لكن تعديل سعر صرف اليورو كان حتى الآن غير وارد بسبب قواعد الاتحاد النقدي الأوروبي ومعارضة ألمانيا لمثل هذا التعديل، ولكنهم يدعمون أي جهد يؤدي إلى الحد من تدفق السلع الصينية واستيلاء الصين على حصة كبيرة في الأسواق على حساب المصدرين الأوروبيين.
وفي سبتمبر الماضي سعت مجموعة العشرين في قمة بتسبرغ إلى إيجاد حل وسط لإبعاد شبح الحرب الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة، حين تحدث بيانها الختامي على أهمية تبني "معالجة مشتركة" لمسألة "انعدام التوازن بين الدول المصدرة والدول المدينة" والعمل على تحقيق توازن أكبر الدول المصدرة مثل الصين واليابان وألمانيا، والدول المدينة مثل الولايات المتحدة، بحيث تقوم الأخيرة بوضع سياسات لزيادة معدل الادخار، وتخفيض العجز التجاري وعجز الميزانية، في مقابل أن تقوم الدول المصدرة بتقليل اعتمادها على الصادرات عن طريق تشجيع الاستهلاك المحلي.
ولكن هذه الحلول لم تنجح على ما يبدو في إزالة فتيل الحرب الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة، كما لم تنجح التهديدات الأمريكية بفرض عقوبات اقتصادية على السلع الصينية في إقناع الصين برفع قيمة اليوان، بل رد رئيس وزرائها ون جياباو بأن الصين ستُبقي على قيمة اليوان دون تغيير، ورفض قبول أي مسؤولية في تخفيض سعره مقابل العملات الأخرى، بما في ذلك الدولار.
ومن وجهة نظر المستهلكين - في دول الخليج على سبيل المثال - فإن الحرب الاقتصادية بين العملاقين مفيدة لأنها تعني أن كلاً منهما سيسعى بكل الطرق إلى الإبقاء على جاذبية صادراته وانخفاض أسعارها، وهو أمر محمود على الأقل في المدى القصير.
عبدالعزيز العويشق
تلوح في الأفق بوادر حرب اقتصادية بين الولايات المتحدة والصين، بسبب معارضة أمريكا لما تعتبره سياسة مقصودة من قبل الصين لإبقاء سعر صرف عملتها منخفض القيمة لكي تحافظ على تنافسيتها التصديرية، ويرى الأمريكيون أن سياسة الصين قد خفضت من قيمة اليوان بنسبة 20% إلى 40% من قيمته الحقيقية.
وتسعى الدول المصدرة إلى جعل عملتها "ضعيفة" بمعنى منخفضة القيمة أمام العملات الأخرى، وذلك خلافاً للفهم الشائع لدى غير المتخصصين بأن العملة "القوية" هي مطلب كل دولة. ذلك أنها كلما كانت العملة رخيصة فإن صادراتها تصبح أكثر جاذبية للمستهلكين في الدول الأخرى، وينطبق ذلك على السلع كما ينطبق على الخدمات، فالدولة التي تحظى بعملة رخيصة تستطيع تسويق خدماتها على نحو أسهل، مثل الخدمات السياحية والشحن والتأمين وغيرها.
ولذلك فإن الولايات المتحدة تجد تهديداً كبيراً لمصالحها من استمرار سعر اليوان منخفضاً مقارنة بالدولار، وتسعى بكل إمكاناتها إلى حمل الصين على رفع قيمة اليوان.
وقد زادت حدة الجدل حول الموضوع رسالة بعث بها الأسبوع الماضي 130 من أعضاء الكونجرس الأمريكي إلى وزير الخزانة Timothy Geithner ووزير التجارة Gary Locke، تطالب بإنزال عقوبات على الجانب الصيني يمكن أن تشمل فرض رسوم وقيود جمركية جديدة على واردات أمريكا من السلع الصينية. وفي الوقت نفسه، قرر مجلس النواب البدء في التحقيق في الموضوع، مستهلاً ذلك بجلسة عامة لإحدى أهم لجانه يوم الأربعاء 24 مارس، وبدأ مجلس الشيوخ جهداً مماثلاً من جانبه في اللجنة المالية والمصرفية.
وانتقلت العدوى إلى المستوى غير الرسمي، حيث ظهرت مطالبات في الصحافة بفرض عقوبات على الصين قد تصل إلى 25% من قيمة السلع المستوردة منها للتقليل من جاذبيتها. وعلى الرغم من مخالفة مثل هذه العقوبات لتوجهات مجموعة العشرين وغيرها من المؤسسات الاقتصادية الدولية، إلا أنه في ظل المناخ السائد في واشنطن ربما أصبح من الصعب التمسك بحرية التجارة، خاصة أن الاقتصاد الأمريكي ما زال في مرحلة كساد ولم يخرج من الأزمة الاقتصادية التي بدأت في عام 2008، وهناك ضغوط من قبل النقابات العمالية والسياسيين لمعاقبة الصين، وهو أمر يكتسب أهمية خاصة خلال الحملات الانتخابية، فمن المقرر أن تشهد سنة 2010 معركة فاصلة في انتخابات الكونجرس، قد تُنهي سيطرة الديموقراطيين على مجلس الشيوخ أو النواب أو كليهما.
وقد تبنت الولايات المتحدة منذ عام 2004 على الأقل سياسة غير رسمية تبقي على سعر صرف الدولار منخفضاً أمام العملات الأخرى، بهدف تشجيع الصادرات، وتبعتها الصين متبنية سياسة مشابهة، وعلى الرغم من رفع قيمة اليوان بنسبة ضئيلة أمام العملات الأخرى، فإن السياسة الصينية ما زالت تحبذ الإبقاء على سعر صرف منخفض لليوان.
وقد تضرر الأوروبيون من سياسة الدولار الرخيص واليوان الرخيص، إذ أدت هذه السياسة إلى جعل الصادرات الأوروبية أقل جاذبية، لكن تعديل سعر صرف اليورو كان حتى الآن غير وارد بسبب قواعد الاتحاد النقدي الأوروبي ومعارضة ألمانيا لمثل هذا التعديل، ولكنهم يدعمون أي جهد يؤدي إلى الحد من تدفق السلع الصينية واستيلاء الصين على حصة كبيرة في الأسواق على حساب المصدرين الأوروبيين.
وفي سبتمبر الماضي سعت مجموعة العشرين في قمة بتسبرغ إلى إيجاد حل وسط لإبعاد شبح الحرب الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة، حين تحدث بيانها الختامي على أهمية تبني "معالجة مشتركة" لمسألة "انعدام التوازن بين الدول المصدرة والدول المدينة" والعمل على تحقيق توازن أكبر الدول المصدرة مثل الصين واليابان وألمانيا، والدول المدينة مثل الولايات المتحدة، بحيث تقوم الأخيرة بوضع سياسات لزيادة معدل الادخار، وتخفيض العجز التجاري وعجز الميزانية، في مقابل أن تقوم الدول المصدرة بتقليل اعتمادها على الصادرات عن طريق تشجيع الاستهلاك المحلي.
ولكن هذه الحلول لم تنجح على ما يبدو في إزالة فتيل الحرب الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة، كما لم تنجح التهديدات الأمريكية بفرض عقوبات اقتصادية على السلع الصينية في إقناع الصين برفع قيمة اليوان، بل رد رئيس وزرائها ون جياباو بأن الصين ستُبقي على قيمة اليوان دون تغيير، ورفض قبول أي مسؤولية في تخفيض سعره مقابل العملات الأخرى، بما في ذلك الدولار.
ومن وجهة نظر المستهلكين - في دول الخليج على سبيل المثال - فإن الحرب الاقتصادية بين العملاقين مفيدة لأنها تعني أن كلاً منهما سيسعى بكل الطرق إلى الإبقاء على جاذبية صادراته وانخفاض أسعارها، وهو أمر محمود على الأقل في المدى القصير.
عبدالعزيز العويشق