فخور أنني زرت "كاوست" بالأمس
أمس كان اليوم الأخير لأول فصل دراسي في كاوست، خبر يستحق الاحتفال وقد احتفل الخريجون والخريجات وأساتذتهم وإداريو الجامعة في احتفال محتشم يليق بجامعة تحمل اسم "عبدالله" وفي بلاد الحرمين، وليس كما يتمنى ويتوهم صناع الكوابيس الذين ينقضّون بين آونة وأخرى على آمالنا وأحلامنا.
حضرت حديثا بين ثلاثة "خريجين" فهم لا يسمونهم طلبة في كاوست التي تضم فقط طلبة الدراسات العليا، وكانوا قد خرجوا للتو من قاعة الامتحان، سعودية وكندية ومكسيكي، سمعت الأخير يقول وسط حديث مختلط من الإسبانية والإنجليزية "إن الامتحان كان صعبا" لزميلة مكسيكية أخرى خرجت بعدهم من القاعة، سألته ما الذي كان صعبا؟ أجاب "التفاصيل الكثيرة المطلوبة، أشعر كأنني كتبت بحث تخرج في يوم واحد "، إنهم يدرسون علماً يدعى "هندسة بيئية". بدا لي موضوعاً مناسباً لجدة بعد سيل الأربعاء، سئلت: هل كانوا على اطلاع بما حصل في جدة وفيما إذا كانت البيئة "المتردية" هناك ضمن أبحاثهم؟ قال إنهم سيجرون أبحاثاً في ذلك الفصل التالي، ثم استطرد حول مسائل بيئية مع زملائه متعلقة ببحثهم القادم لم أفهم معظمها.
جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية ليست بالعادية، وإنما "بحثية". يقول نظمي النصر نائب الرئيس التنفيذي القادم من أرامكو الذي التقيته بمكتبه الأنيق في غير بذخ والمطل على البحر أمس "20% من الجامعة فصول دراسية والثمانون الأخرى هي للأبحاث" وقفت بجواره نطل على البحر الذي لم يردم أو تُغير بيئته مثلما فعلنا في جدة، فالخليج الذي تطل عليه طبيعي هو نهاية الوادي الذي كان يصب فيه منذ مئات السنين، طمأنني أنهم حسبوا للسيول فرتبوا لها مجاري بديلة، فسألته مازحا "كنت أتوقع أن تكون الجامعة غارقة في الوحل"، مشيرا إلى الصور التي وزعت بعد عاصفة الأربعاء الشهيرة، فقال "تلك الصور التقطت مباشرة بعد الأمطار، لم تمر ساعة إلا وكانت شبكة الصرف قد استوعبت كل الأمطار، صحيح أن بعض المباني القليلة تعرضت لضرر محدود، فالعاصفة كانت شديدة وكثير من المباني لم تكتمل بعد".
فبينما تمضي الدراسة يعمل عشرات العمال في مبان أخرى، رأيتهم في نهاية جولتي يستعدون للرحيل إلى مجمعاتهم السكنية القريبة والمؤقتة المقامة على الجزء الآخر من الخليج والذي أتمنى أن تتحول إليه يوما قرية ثول المستقبلية، فالمسافة الحضارية هائلة بين الحي السكني للجامعة والذي يشكل مدينة كاملة وقرية ثول المتواضعة.
أشار السيد نظمي، والذي كان مرتدياً بنطالاً وسبورت جاكيت كعادة الأرامكاويين، إلى جناحين من المباني تتوسطهما الإدارة حيث كنت أقف، فالمجمع التعليمي مصمم على هيئة حدوة حصان، وشرح أنهما مخصصان للأبحاث ويشكلان عصب الجامعة، بعض الغرف فيهما مخصصة كفصول دراسية ولكن جل المبنيين الضخمين للبحث، مليء بأحدث الأجهزة والمعامل التي تعتبر أحد أهم عوامل جذب العلماء للعمل هنا. أمامنا من على اليمين المكتبة، ليست ضخمة فقليل ما بها من كتب ولكنها هائلة إذا علمنا بالحجم الهائل من المعلومات المتاحة للطلبة والباحثين على شبكة الإنترنت والمرتبطة بقواعد معلومات في أعرق الجامعات.
على اليسار بجوار مبنى الأبحاث الضخم، مبنى أصغر، يضم الكمبيوتر الشهير شاهين الذي يعد من أسرع الأجهزة عالميا وقد احتاجت المملكة إلى مفاوضات أمنية مع الحكومة الأمريكية لتشتريه من شركة IBM. سألت مرافقي في الجولة الشاب فارس نصيف والمتحمس للجامعة: هل أستطيع أن أشبك جهازي المحمول به لأرى كم هو سريع؟ ابتسم وقال "هذا إذا كان لا يهمك ما الذي سيحصل له" بالطبع ليس ذلك بالمتاح، فاستخدام شاهين مخصص للباحثين فقط ومن يستخدمه يحتاج إلى إذن خاصة من إدارة الجامعة.
جامعة ترفع رأس كل سعودي بالفعل وتطمئننا أن عبدالله بن عبدالعزيز قد وضعنا في الاتجاه الصحيح والتحدي القادم ملقياً على عاتق أبنائه وتحديدا الجيل القادم، ويمثلهم نحو 150 شاباً وشابة سعوديين، سيتضاعفون في الأعوام المقبلة وقد اختيروا بعناية فائقة، ولذلك قصة أرويها غدا.
أتطلع إلى اليوم الذي أقول فيه لحفيدتي "يا ابنتي اهتمي بدروسك حتى تدخلي كاوست"، إذ سندرك قريبا أنها مقصد الموهوبين وغاية المرام للعلماء، ولكن إن أرادت ذلك فعلاً فعلى والديها أن يبدآ في الاهتمام علمياً بها وهي في الروضة، فالواسطة ليست من أبواب الالتحاق بالجامعة.
جمال خاشقجي
أمس كان اليوم الأخير لأول فصل دراسي في كاوست، خبر يستحق الاحتفال وقد احتفل الخريجون والخريجات وأساتذتهم وإداريو الجامعة في احتفال محتشم يليق بجامعة تحمل اسم "عبدالله" وفي بلاد الحرمين، وليس كما يتمنى ويتوهم صناع الكوابيس الذين ينقضّون بين آونة وأخرى على آمالنا وأحلامنا.
حضرت حديثا بين ثلاثة "خريجين" فهم لا يسمونهم طلبة في كاوست التي تضم فقط طلبة الدراسات العليا، وكانوا قد خرجوا للتو من قاعة الامتحان، سعودية وكندية ومكسيكي، سمعت الأخير يقول وسط حديث مختلط من الإسبانية والإنجليزية "إن الامتحان كان صعبا" لزميلة مكسيكية أخرى خرجت بعدهم من القاعة، سألته ما الذي كان صعبا؟ أجاب "التفاصيل الكثيرة المطلوبة، أشعر كأنني كتبت بحث تخرج في يوم واحد "، إنهم يدرسون علماً يدعى "هندسة بيئية". بدا لي موضوعاً مناسباً لجدة بعد سيل الأربعاء، سئلت: هل كانوا على اطلاع بما حصل في جدة وفيما إذا كانت البيئة "المتردية" هناك ضمن أبحاثهم؟ قال إنهم سيجرون أبحاثاً في ذلك الفصل التالي، ثم استطرد حول مسائل بيئية مع زملائه متعلقة ببحثهم القادم لم أفهم معظمها.
جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية ليست بالعادية، وإنما "بحثية". يقول نظمي النصر نائب الرئيس التنفيذي القادم من أرامكو الذي التقيته بمكتبه الأنيق في غير بذخ والمطل على البحر أمس "20% من الجامعة فصول دراسية والثمانون الأخرى هي للأبحاث" وقفت بجواره نطل على البحر الذي لم يردم أو تُغير بيئته مثلما فعلنا في جدة، فالخليج الذي تطل عليه طبيعي هو نهاية الوادي الذي كان يصب فيه منذ مئات السنين، طمأنني أنهم حسبوا للسيول فرتبوا لها مجاري بديلة، فسألته مازحا "كنت أتوقع أن تكون الجامعة غارقة في الوحل"، مشيرا إلى الصور التي وزعت بعد عاصفة الأربعاء الشهيرة، فقال "تلك الصور التقطت مباشرة بعد الأمطار، لم تمر ساعة إلا وكانت شبكة الصرف قد استوعبت كل الأمطار، صحيح أن بعض المباني القليلة تعرضت لضرر محدود، فالعاصفة كانت شديدة وكثير من المباني لم تكتمل بعد".
فبينما تمضي الدراسة يعمل عشرات العمال في مبان أخرى، رأيتهم في نهاية جولتي يستعدون للرحيل إلى مجمعاتهم السكنية القريبة والمؤقتة المقامة على الجزء الآخر من الخليج والذي أتمنى أن تتحول إليه يوما قرية ثول المستقبلية، فالمسافة الحضارية هائلة بين الحي السكني للجامعة والذي يشكل مدينة كاملة وقرية ثول المتواضعة.
أشار السيد نظمي، والذي كان مرتدياً بنطالاً وسبورت جاكيت كعادة الأرامكاويين، إلى جناحين من المباني تتوسطهما الإدارة حيث كنت أقف، فالمجمع التعليمي مصمم على هيئة حدوة حصان، وشرح أنهما مخصصان للأبحاث ويشكلان عصب الجامعة، بعض الغرف فيهما مخصصة كفصول دراسية ولكن جل المبنيين الضخمين للبحث، مليء بأحدث الأجهزة والمعامل التي تعتبر أحد أهم عوامل جذب العلماء للعمل هنا. أمامنا من على اليمين المكتبة، ليست ضخمة فقليل ما بها من كتب ولكنها هائلة إذا علمنا بالحجم الهائل من المعلومات المتاحة للطلبة والباحثين على شبكة الإنترنت والمرتبطة بقواعد معلومات في أعرق الجامعات.
على اليسار بجوار مبنى الأبحاث الضخم، مبنى أصغر، يضم الكمبيوتر الشهير شاهين الذي يعد من أسرع الأجهزة عالميا وقد احتاجت المملكة إلى مفاوضات أمنية مع الحكومة الأمريكية لتشتريه من شركة IBM. سألت مرافقي في الجولة الشاب فارس نصيف والمتحمس للجامعة: هل أستطيع أن أشبك جهازي المحمول به لأرى كم هو سريع؟ ابتسم وقال "هذا إذا كان لا يهمك ما الذي سيحصل له" بالطبع ليس ذلك بالمتاح، فاستخدام شاهين مخصص للباحثين فقط ومن يستخدمه يحتاج إلى إذن خاصة من إدارة الجامعة.
جامعة ترفع رأس كل سعودي بالفعل وتطمئننا أن عبدالله بن عبدالعزيز قد وضعنا في الاتجاه الصحيح والتحدي القادم ملقياً على عاتق أبنائه وتحديدا الجيل القادم، ويمثلهم نحو 150 شاباً وشابة سعوديين، سيتضاعفون في الأعوام المقبلة وقد اختيروا بعناية فائقة، ولذلك قصة أرويها غدا.
أتطلع إلى اليوم الذي أقول فيه لحفيدتي "يا ابنتي اهتمي بدروسك حتى تدخلي كاوست"، إذ سندرك قريبا أنها مقصد الموهوبين وغاية المرام للعلماء، ولكن إن أرادت ذلك فعلاً فعلى والديها أن يبدآ في الاهتمام علمياً بها وهي في الروضة، فالواسطة ليست من أبواب الالتحاق بالجامعة.
جمال خاشقجي