كيف أصبحت فكرة الأحمد عن المسجد الحرام مجرد "خاتمة صغيرة"
وفيما لمست من ردة الفعل فإن الفارق بين رؤية يوسف الأحمد لهدم المسجد الحرام من أجل فوبيا الاختلاط، وبين فتاوى التكفير والقتل الدورية، أن الرؤية الصارخة الأخيرة قد قوبلت برفض واستهجان واسعين، وبإجماع على الغلو في ثناياها حتى من داخل خطاب الفتوى ومؤسسات الخطاب الديني. من قبله كانت فتاوى التكفير والقتل تجد من بيانات – النصرة – شذراً متقطعاً هنا أو هناك فكيف وصل يوسف الأحمد إلى هذا – المطب – الذي يستحيل معه أن يجد له نصيراً أو بياناً أو محاولة تلفيق ترمم جسور الجمل أو قواعد اللغة؟ وصل يوسف الأحمد لهذا المنعطف الضيق الذي حشر نفسه في داخله لأن الحديث حول القضايا الكبرى في صلب خطاب الدين أصبح سيلاً مخيفاً وصارت الفتوى والدعوة جسداً هندسياً فراغياً هائلاً لابد من حشوه بآلاف الجمل والخطب والمحاضرات وفي مثل هذه (البنية) الكلامية الهائلة صار من الضرورة حشو الفراغ وتلبية إعجاب المريدين فوصل يوسف الأحمد إلى فكرة هدم المسجد الحرام جراء هذا الاسترسال المخيف كي يملأ الوقت. أي تحليل سياقي لمقطعه الشهير في – اليوتيوب – يلمس هذه الحقيقة: في ذات المقطع كان السؤال عن الخلوة والاختلاط وفيها كالعادة تتداخل جمل مثل – المنافقين الخلص، والذين لم يعرفوا الدين، وتوهم يأتون إليه، ولا يعرفون الصلاة، بكل ما لهذه الكلمات والجمل من أحكام تترتب على فاعليها وكل جملة تمثل وحدها فتوى في حق من يخالف رؤيته. واسترسالاً في حشو هذا الفراغ وصل صوته – بالمقطع – المشهود إلى القول: أختم بقضية صغيرة، ثم شرح رؤيته بهدم المسجد الحرام، مختتماً بهذه الرؤية (قضية صغيرة) دون أن يعلم أن هذه القضية الصغيرة التي كانت مجرد خاتمة استئذان لإنهاء الحديث ستصبح حديث الجميع. أصبحت فكرة مجلجلة مثل هدم المسجد الحرام، مهما كانت النوايا والأهداف، ونحن نقول إن نواياه غيورة صادقة، أقول أصبحت مثل هذه الرؤية والفكرة المجلجلة مجرد (قضية صغيرة) في نهاية حديث قال بعدها تماماً: عذراً يا إخوة لأنني أشعر أنني أطلت عليكم. السؤال ماذا كان سيفعل يوسف الأحمد لو أنه فعلاً أطال. هل يعلم مثلاً أن بناء صحن الطواف في المسجد الحرام لثلاثين دوراً مثلما كان يقترح ستحتاج إلى ست سنوات كاملة وتتطلب حفر الأرض بعمق خمسة أدوار من أجل القواعد والأساسات بما يحمل الملايين في الأدوار العليا فماذا سنقول للعالم الإسلامي من حولنا؟ أنطلب منهم إلغاء شعيرة الحج وسنن العمرة لست سنوات كي نكمل البنيان؟ والقصة برمتها في الاسترسال، وبكل صدق، فإنني أخشى أن نتحول بهذا الغلو والتشدد المخيف إلى نكتة في محيطنا الإسلامي؟ أفتينا من قبل بقتل ميكي ماوس فكيف نستطيع أن نقتل قصة كرتونية إلكترونية مبرمجة؟ أفتينا بكفر مستبيح الاختلاط فكيف نستطيع تطبيق الأحكام في نصف الجنس البشري في هذا العالم الإسلامي بظروفهم وضروراتهم المختلفة؟ وكيف نستطيع تطبيق الحكم على كل عائلة سعودية تستقدم عاملة منزلية؟ واليوم، أصبحت الفتوى في القضايا الجوهرية الكبرى مجرد – خاتمة صغيرة – لساعات من الكلام فما السبب؟ السبب لأن الخطاب الديني، للأسف الشديد أصبح حمى مستباحاً بآلاف المتحدثين حتى لم نعد نسمع صوت كبار العلماء وهيئتهم الموقرة ولا نستمع لمنشورات فتاوى دار الإفتاء.
السبب أن هذا الجسد الهندسي الضخم في الحديث عن الدين، بعشرات القنوات الفضائية ومئات البرامج وآلاف المواقع الإلكترونية وعشرات الآلاف من المحاضرات صار يحتاج إلى ملايين الجمل فمن هو الذي يستطيع ضبط لسانه وهو يتداخل مع هذا الكم الهائل من الحضور الشخصي حتى أصبحت فكرة مثل فكرة يوسف الأحمد حول المسجد الحرام مجرد (خاتمة صغيرة) ومجرد (استئذان بالعفو عن الإطالة) في نهاية الحديث ودعك من صلب حديثه عن المنافقين الخلص أو القادمين إلى الدين، أو الذين لا يعرفون الصلاة بكل ما فيها من استباحة لعرض من يختلف معه. أصبحنا نسمع مثل هذه المفردات في اليوم ألف مرة ولولاها فكيف لهؤلاء أن يملؤوا فراغ هذه البرامج. أختم بالإشارة لحديث مدير إذاعة القرآن الكريم لملحق الرسالة بالزميلة المدينة قبل أسبوعين وهو يتحدث عن الحرج البالغ الذي يقع فيه العلماء الراسخون في العلم مع الأسئلة المباشرة حول الفتوى وبعض نماذج – تحوطهم – من الأسئلة الملغومة حتى أصبح بعض هؤلاء العلماء الكبار يتردد في الظهور على هذه البرامج المباشرة. يذكر مدير إذاعة القرآن نماذج من غلو بعض الأسئلة مثل: ما حكم استخدام الملح في تصريف (حاويات) الصرف الصحي أو جواز استخدام العطور ذات المكون الكحولي، وهنا يبدو السؤال: ماذا بقي من الأسئلة التي لا نعرف لها جواباً؟ حتى تصبح فكرة مثل – المسجد الحرام – مجرد خاتمة صغيرة في نهاية مداخلة هاتفية لصاحب الفكرة إلى مجرد صالون مغلق في قناة ثانوية.
علي الموسى
وفيما لمست من ردة الفعل فإن الفارق بين رؤية يوسف الأحمد لهدم المسجد الحرام من أجل فوبيا الاختلاط، وبين فتاوى التكفير والقتل الدورية، أن الرؤية الصارخة الأخيرة قد قوبلت برفض واستهجان واسعين، وبإجماع على الغلو في ثناياها حتى من داخل خطاب الفتوى ومؤسسات الخطاب الديني. من قبله كانت فتاوى التكفير والقتل تجد من بيانات – النصرة – شذراً متقطعاً هنا أو هناك فكيف وصل يوسف الأحمد إلى هذا – المطب – الذي يستحيل معه أن يجد له نصيراً أو بياناً أو محاولة تلفيق ترمم جسور الجمل أو قواعد اللغة؟ وصل يوسف الأحمد لهذا المنعطف الضيق الذي حشر نفسه في داخله لأن الحديث حول القضايا الكبرى في صلب خطاب الدين أصبح سيلاً مخيفاً وصارت الفتوى والدعوة جسداً هندسياً فراغياً هائلاً لابد من حشوه بآلاف الجمل والخطب والمحاضرات وفي مثل هذه (البنية) الكلامية الهائلة صار من الضرورة حشو الفراغ وتلبية إعجاب المريدين فوصل يوسف الأحمد إلى فكرة هدم المسجد الحرام جراء هذا الاسترسال المخيف كي يملأ الوقت. أي تحليل سياقي لمقطعه الشهير في – اليوتيوب – يلمس هذه الحقيقة: في ذات المقطع كان السؤال عن الخلوة والاختلاط وفيها كالعادة تتداخل جمل مثل – المنافقين الخلص، والذين لم يعرفوا الدين، وتوهم يأتون إليه، ولا يعرفون الصلاة، بكل ما لهذه الكلمات والجمل من أحكام تترتب على فاعليها وكل جملة تمثل وحدها فتوى في حق من يخالف رؤيته. واسترسالاً في حشو هذا الفراغ وصل صوته – بالمقطع – المشهود إلى القول: أختم بقضية صغيرة، ثم شرح رؤيته بهدم المسجد الحرام، مختتماً بهذه الرؤية (قضية صغيرة) دون أن يعلم أن هذه القضية الصغيرة التي كانت مجرد خاتمة استئذان لإنهاء الحديث ستصبح حديث الجميع. أصبحت فكرة مجلجلة مثل هدم المسجد الحرام، مهما كانت النوايا والأهداف، ونحن نقول إن نواياه غيورة صادقة، أقول أصبحت مثل هذه الرؤية والفكرة المجلجلة مجرد (قضية صغيرة) في نهاية حديث قال بعدها تماماً: عذراً يا إخوة لأنني أشعر أنني أطلت عليكم. السؤال ماذا كان سيفعل يوسف الأحمد لو أنه فعلاً أطال. هل يعلم مثلاً أن بناء صحن الطواف في المسجد الحرام لثلاثين دوراً مثلما كان يقترح ستحتاج إلى ست سنوات كاملة وتتطلب حفر الأرض بعمق خمسة أدوار من أجل القواعد والأساسات بما يحمل الملايين في الأدوار العليا فماذا سنقول للعالم الإسلامي من حولنا؟ أنطلب منهم إلغاء شعيرة الحج وسنن العمرة لست سنوات كي نكمل البنيان؟ والقصة برمتها في الاسترسال، وبكل صدق، فإنني أخشى أن نتحول بهذا الغلو والتشدد المخيف إلى نكتة في محيطنا الإسلامي؟ أفتينا من قبل بقتل ميكي ماوس فكيف نستطيع أن نقتل قصة كرتونية إلكترونية مبرمجة؟ أفتينا بكفر مستبيح الاختلاط فكيف نستطيع تطبيق الأحكام في نصف الجنس البشري في هذا العالم الإسلامي بظروفهم وضروراتهم المختلفة؟ وكيف نستطيع تطبيق الحكم على كل عائلة سعودية تستقدم عاملة منزلية؟ واليوم، أصبحت الفتوى في القضايا الجوهرية الكبرى مجرد – خاتمة صغيرة – لساعات من الكلام فما السبب؟ السبب لأن الخطاب الديني، للأسف الشديد أصبح حمى مستباحاً بآلاف المتحدثين حتى لم نعد نسمع صوت كبار العلماء وهيئتهم الموقرة ولا نستمع لمنشورات فتاوى دار الإفتاء.
السبب أن هذا الجسد الهندسي الضخم في الحديث عن الدين، بعشرات القنوات الفضائية ومئات البرامج وآلاف المواقع الإلكترونية وعشرات الآلاف من المحاضرات صار يحتاج إلى ملايين الجمل فمن هو الذي يستطيع ضبط لسانه وهو يتداخل مع هذا الكم الهائل من الحضور الشخصي حتى أصبحت فكرة مثل فكرة يوسف الأحمد حول المسجد الحرام مجرد (خاتمة صغيرة) ومجرد (استئذان بالعفو عن الإطالة) في نهاية الحديث ودعك من صلب حديثه عن المنافقين الخلص أو القادمين إلى الدين، أو الذين لا يعرفون الصلاة بكل ما فيها من استباحة لعرض من يختلف معه. أصبحنا نسمع مثل هذه المفردات في اليوم ألف مرة ولولاها فكيف لهؤلاء أن يملؤوا فراغ هذه البرامج. أختم بالإشارة لحديث مدير إذاعة القرآن الكريم لملحق الرسالة بالزميلة المدينة قبل أسبوعين وهو يتحدث عن الحرج البالغ الذي يقع فيه العلماء الراسخون في العلم مع الأسئلة المباشرة حول الفتوى وبعض نماذج – تحوطهم – من الأسئلة الملغومة حتى أصبح بعض هؤلاء العلماء الكبار يتردد في الظهور على هذه البرامج المباشرة. يذكر مدير إذاعة القرآن نماذج من غلو بعض الأسئلة مثل: ما حكم استخدام الملح في تصريف (حاويات) الصرف الصحي أو جواز استخدام العطور ذات المكون الكحولي، وهنا يبدو السؤال: ماذا بقي من الأسئلة التي لا نعرف لها جواباً؟ حتى تصبح فكرة مثل – المسجد الحرام – مجرد خاتمة صغيرة في نهاية مداخلة هاتفية لصاحب الفكرة إلى مجرد صالون مغلق في قناة ثانوية.
علي الموسى